نداء عاجل لحماية حقوق الإنسان على أثر الفيضانات التي تسبّب بها إعصار دانيال في ليبيا

21/9/2023

تواصل منظمة محامون من أجل العدالة في ليبيا تقييم مسؤولية الدولة الليبية عن حجم الدمار الذي تسبّب به إعصار دانيال شرقيّ ليبيا، والاستجابة غير الملائمة من قبل السلطات في أعقاب الفيضان. وعليه، ندعو إلى تأسيس آلية تحقيق دولية مستقلة لمحاسبة أولئك الذين يتحمّلون القدر الأكبر من المسؤولية وتحديد إجراءات الجبر الملائمة واعتماد تدابير حماية إضافية للفئات  المتضرّرة والعرضة للتأثّر.
  

عشرة أيام مرّت على الفيضانات المدمّرة التي تسبّب بها إعصار دانيال، بما فيها السيول الناجمة عن انهيار سدّين صعودًا من مدينة درنة، والتي جرفت معها عددًا غير مسبوق من التجمعات السكانية  وأحياء بأكملها في المنطقة الشرقية من ليبيا. وفقاً للتقارير، فإن حصيلة القتلى  تتراوح ما بين 3300 و11300، وتسلّط هذه التقارير حول عدد القتلى الضوء على المعلومات المتضاربة الواردة من ليبيا والتي تشير إلى احتمال التلاعب بالحقائق من قبل الجهات التابعة للدولة. كما أفادت التقارير أيضاً عن دفن ما بين 2000 و4000 قتيل في مقابر جماعية. في غضون ذلك، يواصل رجال الإنقاذ البحث عن 10 آلاف مفقودٍ آخرين، كما تسبّبت السيول والفيضانات في نزوح عشرات الآلاف من الأشخاص الذين هم بأمسّ الحاجة إلى المساعدات.

تنعى ليبيا الضحايا في الوقت الذي تتعامل فيه درنة وسوسة وبنغازي والمرج والمناطق المحيطة بها في الشرق مع تداعيات الكارثة. ووفقًا للمنظمة الدولية للهجرة، تعرّض 2217 مبنى للهدم جرّاء الفيضانات في درنة وحدها، بما في ذلك العديد من المباني التي تحمل قيمةً كبرى من ناحية التراث الثقافي الليبي. كما أبلغ السكان في المناطق المتضررة من الفيضانات عن العثور على ألغام أرضية موزعة في جميع أنحاء المنطقة المحيطة، بالإضافة إلى تسمّم الأشخاص بسبب تلوث مياه الصرف الصحي التي تدخل مجرى مياه الشرب. وقد حذّرت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا من احتمال أن يؤدي ذلك إلى كارثة ثانية إذا ما استمرّ هذا التلوث.

في غضون ذلك، يواجه عشرات الآلاف من الأفراد والعائلات المتضرّرة في جميع أنحاء ليبيا تقاعساً من قبل السلطات وإنكاراً للمسؤولية حيال هذه الكارثة.

غنيّ عن القول إنّ هذا الحجم الهائل من الدمار إنما هو نتاج عقود من الإهمال من جانب الدولة الليبية، والنزاع المطوّل والصراع المستمرّ على السلطة الذي أفسح المجال أمام تفشّي الفساد، وحرمان الشعب الليبي من البنية التحتية الآمنة وذات الصيانة الجيّدة. وقد أثّر هذا الإهمال بشكل خاص على شرق البلاد حيث لا يزال إرث العقاب الجماعي لنظام القذافي على معاقل المعارضة - مثل درنة - قائماً حتى يومنا هذا.

وفي السياق الحالي لإعصار دانيال، تتجلّى مظاهر الإهمال والفساد عندما يتبيّن أن الدولة الليبية تجاهلت مرارًا وتكرارًا التحذيرات المستمرّة من مخاطر عدم كفاية السدود بالقرب من درنة. كما فشلت السلطات في حماية المواطنين في وقت مبكر، إذ آثرت فرض حظر التجوّل وأوعزت إلى السكان بالبقاء في منازلهم بعد التحذيرات بشأن الطقس، بدلاً من إجلائهم إلى برّ الأمان.

وفي أعقاب الإعصار، أقامت السلطات سريعاً طوقًا أمنيًا مما قيّد إمكانات الوصول إلى مقدّمي المساعدة الإنسانية التي تشتد الحاجة إليها، باستثناء تلك التي تقدّمها السلطات أو توافق عليها. كما مُنع الصحفيون مؤخرًا من دخول المناطق المتضرّرة من الفيضانات لتوثيق الأضرار، في وقتٍ يواجه فيه الناشطين والصحفيين الليبيين الذين يتحدثون علانية عن إهمال الحكومة والفساد خطر الاعتقال والاستجواب.

وفي 18 سبتمبر، تجمّع مئات المحتجيّن في درنة للمطالبة بالحقيقة، والعدالة والمساءلة، من بين جملة مطالب أخرى. وعلى أثر الاحتجاجات والتغطية بما في ذلك من قبل الصحفيين الليبيين، فُقدت خطوط الاتصالات في درنة، وزعمت السلطات أن السبب يعزى إلى انقطاع كابلات الاتصال الرئيسية في المدينة.

كانت مطالبة الناس في إجراء تحقيق في هذه الكارثة واضحًة. ونذكّر السلطات بأن أي تحقيق يتناول ما جرى، ويرمي إلى تحديد المسؤولين ومحاسبتهم، يجب أن يشمل إنشاء سجلّ شامل بالخسائر، والأضرار المتكبدة، لضمان تمكين الضحايا من الحصول على تدابير جبر ملائمة ومناسبة، مصمّمة ليس فقط للإصلاح، إنما أيضاً لضمان عدم تكرار كوارث مماثلة في المستقبل.

علاوةً على ذلك، وفي حال حصول أي احتجاجات مستقبلية، نذكّر السلطات أيضًا بأن للشعب الليبي الحق في الاحتجاج السلمي للتعبير عن آرائه. إن استخدام القوة من قبل السلطات ضدّ المتظاهرين السلميين محظور تمامًا ما لم تندلع أعمال عنف. وفي حال حدوث هذا السيناريو، يجب أن تمتنع قوى الأمن عن استخدام القوة القاتلة وكتفي بالقوة الضرورية والمتناسبة للدفاع عن النفس. كما يجب الحرص على تأمين مخرج آمن للمحتجيّن الراغبين في المغادرة.

اليوم، توجّه محامون من أجل العدالة في ليبيا دعوةً واضحةً إلى السلطات الليبية لتيسير تقديم المساعدة الإنسانية الفورية للأشخاص الأكثر تضرّراً، كما تذكر بضرورة تزويد الوكالات والأفراد الذين يقدمون هذه المساعدات بإمكانية وصول غير محدود ودون عوائق إلى الجهات المحتاجة للمساعدة.

كما ندعو إلى إنشاء آلية تحقيق دولية مستقلة لمحاسبة المسؤولين. ونعمل بنشاط على استكشاف سبل المساءلة والجبر، بالتنسيق مع شركائنا في المجتمع المدني الليبي، لتلبية مطالبات الليبيين بالعدالة عن الأضرار التي تكبّدوها.

في أعقاب الفيضان، لاحظت محامون من أجل العدالة في ليبيا أنّ فئات مهمشة محددة قد أصبحت حاليًا عرضةً للتأثر بشدة، وتواجه مخاطر فريدة ومتزايدة. ولا بدّ من اتباع نهج قائم على حقوق الإنسان إزاء المساعدة الإنسانية لتلبية احتياجات هذه المجموعات يلبي مواطن ضعفها. وعليه، فنحن ندعو إلى النظر في حقوق الفئات التالية وحمايتها:

الأطفال والقُصَّر

الأطفال والقُصَّر غير المصحوبين بذويهم  في المناطق المتضررة، الذين فقدوا والديهم أو الذين قد يكون لهم أفراد عائلة على قيد الحياة  لا يُعرف مكان وجودهم بسبب عدم وجود توثيق لضحايا الفيضان، وفي التقارير الواردة  أنه يتم عرض هؤلاء الأطفال في منشورات عبر الإنترنت باعتبارهم "بحاجة إلى منازل"، مما يعرضهم لخطر كبير من الوقوع كضحايا للاتجار بالبشر.

يجب على الحكومة الليبية إنشاء آلية فعّالة لتسجيل الأطفال  لأجل حمايتهم، وتسهيل وتكثيف جهود تعقب العائلات. يجب منع نشر صور الأطفال عبر الإنترنت بشكل صارم .

الأطفال معرضون للخطر وبشكل خاص خلال الكوارث , ويعانون بدرجة أعلى من غيرهم  خاصةً فيما يتعلق بصحتهم العقلية وتعلمهم . يجب على السلطات الليبية اتخاذ تدابير مناسبة لتعزيزجهود التعافي للصحة النفسية وإعادة التأهيل الاجتماعي للأطفال الضحايا ضمن  بيئة تعزز صحة الطفل وكرامته واحترامه لذاته .

الأشخاص النازحون داخليًا

تم نزوح عشرات الآلاف من العائلات نتيجة الفيضانات الحاصلة  في شرق ليبيا. في استجابة الدولة لهذه الكارثة يتم تجاهل السكان النازحين، سواء نتيجة الفيضانات أوالنازحين نتيجة النزاع المستمر الذي يؤثر على الشرق، يفتقرهؤلاء إلى أماكن إيواء كافية  ووصول إلى  خدمات الصرف الصحي والرعاية الصحية الملائمة . كما وردت تقارير عن إخلاء قسري في المخيمات التي تستضيف حالياً  أهالي  تاورغاء النازحين وذلك على ما يبدو لإفساح المجال أمام ضحايا الفيضانات.

يجب على السلطات الليبية أن تضمن توفير الغذاء الأساسي والمياه الصالحة للشرب والمأوى الملائم  والملابس المناسبة والخدمات الطبية والصرف الصحي  وذلك لجميع الأشخاص النازحين، وبغض النظر عن ظروفهم وبدون تمييز بينهم . يجب على السلطات أيضًا ضمان حصول النازحين الداخليين على الخدمات النفسية والاجتماعية. وينبغي إيلاء اهتمام خاص  للاحتياجات الصحية للنساء، بما في ذلك الوصول الى مقدمي الرعاية الصحية النسائية والرعاية الصحية الإنجابية واتخاذ تدابير لمنع العنف الجنسي والجنساني.

النازحون لديهم أيضًا حق أساسي في أن يكونوا على مقربة من ديارهم  ومجتمعاتهم المحلية  وأن يطلبوا  معلومات  حول أحبائهم وذويهم، وأخيراً  العودة إلى منازلهم. وإن الالتزام بهذا الحق هو مسؤولية حاسمة على عاتق الدولة ،مما يستلزم توفيرها الدعم والموارد اللازمة  لعودتهم في نهاية المطاف.

المعتقلون في السجون ومراكز الاحتجاز

المعتقلون المحتجزون في سجن غرنادا في الشرق يواجهون فعلياً ظروفاً صعبة  داخل الاحتجاز،وبالتالي تشكل أوضاعهم سبباً رئيسياً للقلق ، مع عدم وجود معلومات عن مصيرهم الحالي.

السجن، الواقع على بعد 22 كيلومترًا جنوب شرق مدينة البيضاء  هو أحد المرافق التي تضررت بالفيضانات. نذكّر السلطات بواجبها المتمثل في ضمان حصول جميع المحتجزين على الدعم الطبي والنفسي وخدمات الصرف الصحي، بالتنسيق مع الوكالات الإنسانية من أجل احترام حقوق وسلامة جميع المحتجزين، بما في ذلك في أوقات الأزمات.

ولأسر المحتجزين أيضًا الحق في معرفة تأثير الفيضان على المحتجزين، سواء كانوا أحياء أو مصابين، والظروف التي يواجهونها في أعقاب الفيضان. وبالمثل، يحق للمحتجزين أنفسهم أيضًا معرفة مصير أفراد أسرهم الذين ربما تأثروا بالعاصفة. ويجب على السلطات ضمان حصول السجناء على زيارات عائلية وقدرتهم على التواصل مع أحبائهم بشكل منتظم.  

ويحتجز العديد من المعتقلين في سجن غرنادا بشكل تعسفي أوفي ظروف الاختفاء القسري دون تهم واضحة، وبعضهم بسبب عملهم الحقوقي والسياسي. ويجب على السلطات الليبية إطلاق سراح السجناء فوراً، ما لم توجه إليهم اتهامات بارتكاب جرائم معترف بها دولياً، وما لم يتم احتجازهم وفقاً لمعايير المحاكمة العادلة. 

المهاجرون واللاجئون

تشير التقديرات إلى أن أكثر من 235,000 مهاجر ولاجئ وطالب لجوء موجودين حاليًا في المناطق الشرقية من ليبيا. الغالبية العظمى من هؤلاء غير موثقين. 

أن سوء  معاملة المهاجرين واللاجئين وتهميشهم والاتجار بهم منذ أمد طويل من جانب السلطات الليبية، بما في ذلك عدم تسجيلهم أو تقديم خدمات الحماية لهم، قد جعلهم  غير قابلين عمليا للتعقب في أعقاب هذه الكارثة الطبيعية. وفي هذا السياق، فإن عدد القتلى من المهاجرين واللاجئين نتيجة لهذا الفيضان غير معروف، ويتمتع الذين نجوا بحقوق أقل في المساعدة والتعويض.ومن الضروري للغاية أن تقوم السلطات الليبية بالتنسيق مع المنظمات الدولية ذات الصلة لضمان البحث عن المهاجرين واللاجئين المفقودين أو الذين قد ماتوا، وذلك من أجل التعرف عليهم وإبلاغ أسرهم. 

إن الإجلاء العاجل لأولئك الذين ما زالوا في ليبيا أمر ضروري لسلامتهم ورفاهيتهم. لقد عانى هؤلاء المهاجرون منذ فترة طويلة من ظروف يرثى لها في مراكز الاحتجاز الليبية، ووالتي تميزت بانتهاكات مستمرة لحقوق الإنسان. إن ضمان معاملتهم الإنسانية وإجلائهم الفوري أمر بالغ الأهمية لحماية حياتهم في أعقاب الفيضانات.

Thank you! You have been subscribed.
Oops! Something went wrong while submitting the form.

سجل للحصول على المستجدات

تحديث منتظم من محامون من أجل العدالة الى بريدك