تعرب منظمة محامون من أجل العدالة في ليبيا عن استيائها لعدم تطرّق لجنة الشؤون الخارجية في مجلس العموم البريطاني لقضايا حقوق الإنسان في تقريرها

15/9/2016

ترحّب منظمة محامون من أجل العدالة في ليبيا بالفحص الذي أجرته لجنة الشؤون الخارجية في مجلس العموم البريطاني (يشار إليها في ما بعد باللجنة) بشأن مشاركة المملكة المتحدة في مرحلتي التدخل والانتقال في ليبيا. إلاّ أنّ محامون من أجل العدالة في ليبيا تعرب في الوقت نفسه عن استيائها الشديد لعدم تطرّق اللجنة بالشكل الكافي لحقوق الإنسان أو إيلائها الأهمية اللازمة لها في تقييمها وتوصياتها، إذ أنّ ذلك من شأنه أن يضعف من القدر الممنوح لحقوق الانسان في توجيه القرارات المتعلقة بالسياسات الخارجية، لا سيما تلك المعنية بعمليات التدخّل والدعم الذي يتم تقديمه للبلدان التي تمرّ بمراحل انتقالية.

وقد أدرجت اللجنة في تقريرها الذي نشر في 14 سبتمبر 2016 فحصا لدور المملكة المتحدة في التدخّل العسكري في الصراع في ليبيا سنة 2011، والذي تضمّن تقييماً للأساس الذي اعتمد عليه التدخل، وما إذا كان التدخل قد تجاوز التفويض الممنوح له، وما إذا كان قد تمّ البحث بشكل كاف عن حلول سياسية بديلة. كما قيّم التقرير أيضاً الافعال التي قامت بها المملكة المتحدة خلال المرحلة الانتقالية، وما إذا كانت قد أسهمت في انهيار الدولة الليبية. وختمت اللجنة بمراجعة لفرص السياسات المستقبلية وقدّمت توصيات تناولت في غالبيتها الوضع الأمني ومصالح السياسة البريطانية. وعلى الرغم من ان تقرير اللجنة قد توقف عند الكثير من إخفاقات السياسة الخارجية البريطانية على المستوى السياسي والاقتصادي والأمني في ليبيا، إلاّ أن عدم تطرقه إلى المخاوف المرتبطة بحقوق الإنسان التي يواجهها الليبيون، ودورها في دعم بناء الدولة، فان ذلك في حقيقة الامر يجسّد أحد أبرز نقاط ضعف المملكة المتحدة في هذا الصدد.

وقد أدانت اللجنة بشدة الأساس الذي اعتمد عليه التدخل في ليبيا معلنةً أنّها لم تر "أي دليل على أنّ الحكومة البريطانية قد أجرت تحليلاً مناسباً لطبيعة العصيان في ليبيا."  وقد استند هذا الاستنتاج جزئياً على تجاهل اللجنة للتهديدات التي أطلقها معمّر القذافي باعتبارها خطابات جوفاء، متهمةً الحكومة البريطانية بالتعامل معها بانتقائية وحملتها محمل الجدّ. هذا التجاوز قاد اللجنة الي عدم وضع اعتبار للانتهاكات الممنهجة لحقوق الإنسان التي مارستها إدارة القذافي، بما في ذلك انتشار ممارسات الاحتجاز التعسّفي والتعذيب والاختفاء القسري على يد السلطات. كما لم تتطرّق إلى المجازر السابقة المعروفة بدقة والناجمة عن عدم التقدير البشع من قبل النظام لحياة الانسان، كما حدث عند قتله 1270 سجيناً في مجزرة سجن أبو سليم سنة 1996.

أوردت اللجنة في تقريرها أنّ الحكومة البريطانية لم تتمكن من التحقق من التهديد الذي طرحه نظام القذافي وأنّ "تدخلها المحدود لحماية المدنيين قد انجرف إلى سياسة لتغيير للنظام"، وهو أمر لا يتفق مع الأدلة التي تمّ جمعها إبّان النزاع والتي أثبتت النية لدى قوات النظام وقدرتها على ارتكاب الجرائم ضدّ الإنسانية. عوضاً عن ذلك، تشير اللجنة إلى أنّ "منظمة العفو الدولية ... لم تتمكّن من تأكيد الادعاءات المتعلقة بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ارتكبتها قوات نظام القذافي"، وهو قول مضلل جدا، فموقف منظمة العفو الدولية يتعلق بادعاءات محدّدة لم تخضع بالفعل لتدقيق إثباتي. من المؤسف بالفعل أن تستغلّ اللجنة نزاهة منظمة كمنظمة العفو الدولية من أجل دعم استنتاجها بأنّ الأدلة لم تكن كافية لدعم تدخل مستدام، فيما لم تشر مطلقاً إلى الانتهاكات التي وثقتها منظمات حقوق الإنسان، بما فيها منظمة العفو الدولية ومنظمة محامون من أجل العدالة في ليبيا، والنتائج التي توصّلت إليها اللجنة الدولية لتقصّي الحقائق حول ليبيا.

بالإضافة إلى ذلك، تعرب منظمة محامون من أجل العدالة في ليبيا عن قلقها من أنّ اللجنة، في دراستها للبدائل السياسية، قد انصب كامل تركيزها حول الطريقة الأنسب التي كان من المفترض ان تدعم بها الحكومة البريطانية إدارة القذافي من أجل توفير الحماية للمدنيين وتطبيق الإصلاحات السياسية، وهو ما كان يمكن إنجازه برأيها "بكلفةٍ أقلّ بالنسبة للمملكة المتحدة وليبيا" ويندرج تقييمها هنا أيضاً ضمن الترويج لمفهوم الإصلاحات في إدارة النظام، في وقتٍ تجاهلت فيه أعمال العنف والقمع التي ارتكبت بصورةٍ ممنهجة بحق أيّ فرد تجرأ على الوقوف بوجه النظام، بما في ذك واقعة اعتقال أحد المحامين في فبراير 2011 والتي أشعلت فتيل الاحتجاجات الأولى في بنغازي. من المقلق أيضاً أن ترفع اللجنة من شأن سيف الإسلام القذافي كقائد بديل في الفترة الانتقالية لليبيا، وهو الذي صدرت بحقه مذكرة توقيف لا تزال عالقةً أمام المحكمة الجنائية الدولية لارتكابه جرائم ضدّ الإنسانية.

ترحّب منظمة محامون من أجل العدالة في ليبيا بما أورده التقرير من أنّ كلاًّ من المملكة المتحدة وفرنسا "تتحملان المسؤولية بشكلٍ خاص" لدعم ليبيا في مرحلة ما بعد النزاع، وأنّ الجهود الأولية التي بذلتها المملكة المتحدة قد تعرقلت جرّاء تعويلها على خطط غير قابلة للتنفيذ. كما تدعم المنظمة اللجنة في تصريحها "أنّ التحدّي الذي يواجهه المجتمع الدولي يتمثل في تحديد وتعزيز السياسات التي تسهم في تحقيق الأمن الداخلي والمصالحة السياسية في آن" ولكن، تدين محامون من أجل العدالة في ليبيا بشدة عدم قيام اللجنة في مراجعتها بالمدافعة عن السياسات التي تعنى بحماية حقوق الإنسان، وترسيخ حكم القانون أو آليات العدالة الانتقالية – رغم عدم ثبوت قدرة هذه السياسات وتاريخها في توفير الأمن الدائم والمصالحة في سياقات أخرى.

في ما يتعلق بالمحاسبة عن انتهاكات حقوق الإنسان، أشارت مدير منظمة محامون من أجل العدالة في ليبيا، إلهام السعودي، إلى أنّ "الحكومة البريطانية قد قوضت جهودها في تحقيق الأمن والمصالحة السياسية في ليبيا عندما لم تضع في سلّم أولوياتها محاسبة المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان. ففي إطار الجهود الدولية لإخضاع المسؤولين عن الانتهاكات للمحاسبة، والتي قادتها المحكمة الجنائية الدولية، تمّت مطالبة المملكة المتحدة مراراً بتقديم المزيد من الدعم باعتبارها إحدى الدول الأعضاء في مجلس الأمن ودولةً طرفاً في نظام روما الأساسي. وقد ساهم رفض المملكة المتحدة تقديم هذا الدعم في ترسيخ ثقافة الإفلات من العقاب التي تغذّي النزاع الدائر حالياً. ومن المؤسف للغاية أنّ اللجنة لم تصدر، رغم هذه الإخفاقات من جانب المملكة المتحدة، أي توصيات محددة لتشجيع الحكومة البريطانية على دعم هذه السياسات." على الرغم من انها استندت الي المسؤولية في الحماية في وقت التدخل، وهي تتضمن المسؤولية في إعادة البناء بعد التدخل.

بالإضافة إلى ذلك، تعرب محامون من أجل العدالة في ليبيا عن قلقها حيال اقتراح اللجنة بإعادة النظر في دور الأمم المتحدة في بيئة ما بعد النزاع، واستشهادها بقول اللورد هيغ أنّ "ائتلافاً من العاملين على استقرار ليبيا وإعادة إعمارها قد يكون أشدّ فعاليةً من عملية تقودها الأمم المتحدة." في وقتٍ شهدت فيه العملية بقيادة الأمم المتحدة بدون أدنى شك إخفاقاتٍ كبرى، يبقى من الخطير جداً القول بأنّ الدول قادرة على العمل بشكلٍ أفضل خارج إطار الأمم المتحدة. فإقامة ائتلاف خارج إطار الأمم المتحدة من الأرجح أن يؤدي إلى أهداف إصلاح تنافسية غير فعالة وإلى مزيد من انعدام الاستقرار على المستوى الوطني نتيجة فقدان الثقة في المصالح السياسية للمصلحين.

وعوضا عن منح الأولوية لسياسات تهدف إلى تعزيز قدرة الدولة الليبية على إعادة بناء المؤسسات، وحماية حقوق الإنسان، وحكم القانون وتطبيق عدالة انتقالية على نحوٍ فعال، تبحث غالبية التوصيات الصادرة عن اللجنة في الطريقة الفضلى التي تمكن الحكومة البريطانية نظرياً من دعم استجابة عسكرية للمخاوف الأمنية في البلاد، سواء من خلال تسليح قوات الدولة أو مدّها بالدعم العسكري المباشر، أو تدريبها. ولكن، وعلى حدّ ما أكّدته اللجنة في مرحلة لاحقة، ثمة عقبات هامة تحول دون تطبيق هذه المقاربة في الوضع الراهن تجنّباً لزيادة الوضع الأمني سوءاً؛ علي وجه التحديد تحتاج حكومة الوفاق الوطني إلى "سيطرة سياسية راسخة وأمن داخلي مستقر وقد قدمت طلباً رسمياً إلى الحكومة البريطانية من أجل الحصول على هذه المساعدة، التي يجب أن ينظر فيها البرلمان البريطاني بعد ذلك." ورغم هذه الملاحظة، تعبّر محامون من أجل العدالة في ليبيا عن تخوّفها من أنّ اللجنة تبدو وكأنها لا تزال تدعم الضغوط الدولية من أجل رفع حظر السلاح عن حكومة الوفاق الوطني رغم افتقار هذه الحكومة لجيش رسمي، وتعويلها المستمرّ على الجهات غير المنتمية للدولة وغير الخاضعة للمحاسبة في ممارسة مهامها العسكرية.

كما أنّ محامون من أجل العدالة في ليبيا قلقة أيضاً حيال مراجعة اللجنة لهجرة الليبيين إلى أوروبا. ففي فقرات عدة من التقرير، تقع اللجنة في خطأ تتناول مصطلحي الإتجار والتهريب كمترادفين، ففي سياق التقرير، يبدو أنّ مصطلح “الإتجار" قد استخدم لتبرير خيارات السياسات العسكرية، عوضاً عن التشجيع على سياسات تضع في سلّم أولوياتها حماية حقوق المهاجرين واللاجئين. وهو أمر يدعو للقلق خاصة وأنّ اللجنة لم تبحث في أي مرحلة في تقريرها الطريقة التي يجدر بالحكومة البريطانية على أساسها أن توفر الحماية للمهاجرين واللاجئين المعرّضين لخطر انتهاكات حقوق الإنسان في ليبيا، لا سيما المعتقلين منهم في مرافق الاحتجاز.

على ضوء التقرير الصادر عن اللجنة، تحث محامون من أجل العدالة في ليبيا الحكومة الليبية على أن تضع في أولوياتها حماية حقوق الإنسان، وحكم القانون، وترسيخ العدالة الانتقالية في ليبيا. كما نطالبها بتحقيق ذلك من خلال إعادة النظر في طريقة دعمها لنشاطات المجتمع الدولي، لا سيما المحكمة الجنائية الدولية التي طلبت منها مراراً تمويلاً إضافياً لأعمالها في ليبيا. وأيضاً، لا بد من التوقف عند دور منظمات المجتمع المدني في دعم السلام والمصالحة السياسية مع حث الحكومة البريطانية على تجديد دعمها لهذه المجموعات، والوفاء بالتزامها بتوفير المزيد من المساعدات الإنسانية في هذا المجال.

Thank you! You have been subscribed.
Oops! Something went wrong while submitting the form.

سجل للحصول على المستجدات

تحديث منتظم من محامون من أجل العدالة الى بريدك