إعلان مقلق من المحكمة الجنائية الدولية حول استكمال التحقيق في ليبيا بنهاية 2025 يشكّل خطراً على العدالة التي ينتظرها الضحايا

9/11/2023

تحدّث المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، أمام مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، يوم الأربعاء 8 نوفمبر 2023، مقدّماً تقرير مكتبه السادس والعشرين حول الحالة في ليبيا. وبالرغم ممّا تطرّق إليه المدّعي العام من تسريعٍ في التحقيقات الجارية في ليبيا، إلاّ أنّ منظمة محامون من أجل العدالة في ليبيا تعرب عن خيبة أملها بعد عدم إحراز أيّ تقدّم ملموس في الحالة في ليبيا، والنهج العام الذي يتبعه المدعي العام حيال هذه المسألة. إذ لا تبدو توقعات الضحايا في تحقق العدالة أقرب اليوم ممّا كانت عليه في إحاطته الماضية في مايو 2023.

ومن المثير للقلق ما كشف عنه المدعي العام من صعوبات في التعاون مع السلطات الليبية خلال الأشهر الستة الماضية، وأثر ذلك على عرقلة مسار التحقيقات في ليبيا، من قبيل عدم إصدار التأشيرات التي تسمح لموظفي المحكمة الجنائية الدولية بالدخول إلى ليبيا. وهو ما يدلّ على عدم الاستعداد من جانب السلطات الليبية عموماً للتعاون مع المحكمة، ومثل ذلك استمرارها في عدم إلقاء القبض على المشتبه فيهم المطلوبين وتقديمهم إلى المحكمة، والقمع المتواصل لمنظمات المجتمع المدني التي تدعم عمل المحكمة.

وتعتبر هذه المعلومات مقلقةً بشكلٍ خاص، بالنظر إلى إعلان المدعي العام لاحقاً أنه يعتزم استكمال جميع أنشطة التحقيق في ليبيا بحلول نهاية العام 2025. وبالنظر إلى العقبات التي يواجهها، وفي ظلّ عدم وجود ما يشير إلى أن موقف السلطات الليبية سيتغير في السنتين المقبلتين، فإنّ المدعي العام لم يقدّم أي سبب يدعو للاعتقاد بأن مكتبه سيكون قادراً على استكمال التحقيقات في غضون هذه المدة.

كما لا يعكس الإعلان عن استكمال التحقيقات واقع أنّه لم تتحقق بعد أيّ مساءلة وعدالة بالنسبة إلى ضحايا الجرائم الدولية الخطيرة المرتكبة في ليبيا منذ العام 2011، في وقتٍ يواصل فيه الجناة ارتكاب الجرائم وسط إفلات تام من العقاب. وفي هذه الظروف، فإنّ تعيين تاريخ انتهاء لتحقيق المحكمة يبعث برسالة خاطئة، من شأنها أن تشجّع الجناة على الاستمرار في جرائمهم وتقوّض الأمل المتبقي للضحايا في عمل المحكمة.

هذا ولم يدلِ المدعي العام بأي معلومات جديدة حول أوامر القبض الستة التي أشار إليها في إحاطته لشهر مايو، والتي أبرزها كتطوّر ناجح في ذلك الوقت. وفي حين أن الأمر يبقى متروكاً للقضاة لرفع الأختام عن أوامر القبض ومنح طلبات إصدار مثل هذه الأوامر من المدعي العام، فإنّ هذه الإحاطة كانت فرصة مطلوبة بشدة للمدعي العام لإيجاز الحالة الراهنة لهذه الجهود، لا سيما في ضوء إعلانه عن استكمال التحقيق بحلول العام 2025.

وتحدّث السيد خان أيضاً عن الجهود المبذولة من أجل زيادة الاتصال بالضحايا ومنظمات المجتمع المدني الليبية، وكرّر تأكيده على أهمية المجتمع المدني لعمل المحكمة. وتأسف محامون من أجل العدالة لكونه لم يذكر أنّ منظمات المجتمع المدني والمدافعين عن حقوق الإنسان في ليبيا ما زالوا يواجهون حملة قمع مستمرة، وأنّ أي مشاركة مع المحكمة تنطوي على مخاطر متجددة من الأعمال الانتقامية. وينبغي للسيد خان، بصفته المدعي العام، أن يقرّ بهذا الواقع بوضوح وعلى الملأ وأن يدعو الدول، بما فيها السلطات الليبية، إلى ضمان بيئة آمنة لمنظمات المجتمع المدني لكي تتمكن من مزاولة أعمالها. وهذا مطلوب لكي تحقق المحكمة أي نجاح في ليبيا، ولكي تحصل على المعلومات والأدلة، ولكي تبقي الضحايا والمجتمعات المحلية المتضرّرة والمجتمع الليبي الأوسع على اطلاع. وينبغي للمحكمة أن تؤسّس لتدابير حماية كافية لمنظمات المجتمع المدني التي تواجه مخاطر نتيجة لتعاملها مع مكتب المدعي العام وغيره من أجهزة المحكمة.

بيد أن الإحاطة التي قدّمها المدعي العام حملت بارقة أمل في احتمال مقاضاة مرتكبي الجرائم ضد المهاجرين واللاجئين في ليبيا، وذلك من خلال تعيين خبراء في مجال الاتجار بالبشر، مثلاً، ضمن الفريق العامل في ليبيا. وبينما يواصل مكتب المدعي العام التعاون مع العديد من السلطات الوطنية في جميع أنحاء أوروبا بشأن هذا الخط من التحقيق، نكرر، مع ذلك، أن هذه الملاحقات القضائية يجب أن تعكس الخطورة والطبيعة المنهجية للجرائم التي يقع ضحيتها المهاجرون واللاجئون في ليبيا، والتي ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب محتملة. وعلى المدعي العام أن يصرّ على إدراج الجرائم المنصوص عليها في نظام روما الأساسي ضمن هذه الملاحقات الجنائية، وأن يبيّن كيف يقدّم مكتبه الدعم للسلطات الوطنية في هذا الصدد. في الإحاطة التي قدمها أمس إلى المجلس، لم يقم المدعي العام بذلك بل اكتفى في التحدث عن الملاحقات القضائية الجارية في إيطاليا وهولندا، حيث لا تتم محاكمة الجرائم المنصوص عليها في نظام روما الأساسي حاليًا.

كذلك تدعم محامون من أجل العدالة في ليبيا طلب المدعي العام بزيادة الميزانية للمحكمة، بما في ذلك مكتبه، في إطار ميزانية البرامج المقترحة لعام 2024. وفي سياق الدورة المقبلة لجمعية الدول الأطراف، المزمع انعقادها في نيويورك، الولايات المتحدة في الفترة من 4 إلى 14 ديسمبر 2023، يجب على الدول الأطراف أن توافق على الميزانية المقترحة لعام 2024 لضمان الاستمرار الفعال للتحقيقات، وكذلك تحقيق تفويض المحكمة تجاه الضحايا.

وختاماً، نعيد التشديد على ضرورة أن يعيد المدعي العام النظر على وجه السرعة في استراتيجية الخروج السابقة لأوانها لأنها تبيّن إهمالاً تجاه الضحايا والشهود وأملهم في العدالة.

Thank you! You have been subscribed.
Oops! Something went wrong while submitting the form.

سجل للحصول على المستجدات

تحديث منتظم من محامون من أجل العدالة الى بريدك