3 كانون الأول/ديسمبر 2025 – نحن، منظمات المجتمع المدني الموقّعة أدناه، نرحّب بقيام السلطات الألمانية بتسليم خالد محمّد علي الهشري ، الملقّب بـ"البوتي" إلى عهدة المحكمة الجنائية الدولية (يشار إليها أيضاً بالمحكمة). ويشكّل نقله أول مثول لمشتبه به في ارتكاب جرائم دولية في ليبيا أمام المحكمة منذ فتح التحقيق في ليبيا بعد إحالة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في العام 2011. ويمثّل هذا التطوّر خطوةً مهمةً على درب تحقيق العدالة وكشف الحقيقة وجبر الضرر عن ضحايا الجرائم الجسيمة المرتكبة في مختلف أنحاء ليبيا.
وكان الهشري قد اعتُقل في برلين يوم 16 تموز/يوليو 2025 عملاً بأمر قبض صادر عن المحكمة. ويُدَّعى أنّ السيد خالد محمد علي الهشري كان أحد كبار أعضاء جهاز الردع لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة التابع للمجلس الرئاسي الليبي والمعروف أيضاً باسم "قوة الردع". وكانت هذه الميليشيا النافذة تتولّى إدارة مواقع احتجاز في غرب ليبيا، بما في ذلك سجن معيتيقة في طرابلس، حيث يُزعم أن الهشري كان أحد أرفع المسؤولين فيه. وبحسب أمر القبض الصادر عن المحكمة الجنائية الدولية والذي رُفعت عنه الأختام في تموز/يوليو 2025، فهو مُشتبه في أنه ارتكب شخصياً جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، أو أمر بارتكابها أو أشرف عليها، ومنها القتل والتعذيب والمعاملة القاسية والاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي والاضطهاد والاعتداء على الكرامة الإنسانية، الـمُدَّعى ارتكابها في ليبيا بين سنة 2015 وأوائل سنة 2020.
ويبيّن تعاون السلطات الألمانية في القضية الدورَ الجوهري الذي تضطلع به الدول الأطراف في تمكين المحكمة الجنائية الدولية من تنفيذ ولايتها. كما يعيد هذا التعاون التأكيد على ضرورة قيام ألمانيا، حالها حال جميع الدول الأطراف بالالتزام الكامل بواجباتها بموجب نظام روما الأساسي، بما في ذلك تنفيذ أوامر القبض الصادرة عن المحكمة، بنفس مستوى الاتساق في جميع الحالات التي تنظر فيها المحكمة. ومع بدء الإجراءات في لاهاي، تبرز أهمية أن تعكس التهمُ المنسوبة النطاقَ الكامل للجرائم المزعومة وجميع فئات الضحايا المتضررين؛ وأن تتاح للضحايا إمكانية المشاركة الفاعلة والآمنة في كل مرحلة؛ وأن تلتزم جميع الجهات المعنية بواجبات التعاون الملقاة على عاتقها.
لحظة حاسمة: المساءلة تقتضي الاعتراف الجادّ بجميع مجموعات الضحايا
لمّا كان الهشري قد أصبح اليوم في عهدة المحكمة الجنائية الدولية، فإنّ الإجراءات تدخل مرحلةً حاسمةً. فبعد جلسة المثول الأولى، من المزمع أن يقدّم مكتب المدعي العام وثيقةً تفصيليةً تتضمّن التهم الموجّهة للمشتبه به وتحدّد الجرائم ومجموعات الضحايا التي ستتناولها القضية. وسيسهم هذا الملف في تشكيل مسار جلسة تأكيد التهم والمحاكمة المستقبلية.
تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أنّ أمر القبض الصادر في 10 تموز/يوليو 2025 يعكس فهماً ضيّقًا للعناصر السياقية الخاصة بالجرائم المرتكبة ضدّ الإنسانية وجرائم الحرب على حدّ سواء. ويعود هذا القصور جزئيًا إلى طلب الادعاء ذاته، الذي وصف "السكان المدنيين" المتضرّرين من الجرائم في معيتيقة بأنهم أفراد يُنظر إليهم على أنهم معارضون لجهاز الردع/قوة الردع أو لأيديولوجيته. وقد قلّصت الدائرة التمهيدية من نطاق القضية أكثر، مستبعدةً المحتجزين من دول إفريقيا جنوب الصحراء بحجة أن احتجازهم مرتبط بوضعهم كمهاجرين. وعلى الرغم من أن مكتب المدعي العام قد طعنفي هذه الحجة، فإن دائرة الاستئناف امتنعت عن النظر فيها لأسباب إجرائية.
لذلك، فقد بات من الضروري أن يوسّع المدعي العام نطاق التهم بحيث تشمل الطيف الكامل من الجرائم المزعومة وجميع فئات الضحايا المتضرّرين منها. ويجب ألّا يتكرّر التقصير المستمر في معالجة الجرائم المرتكبة ضدّ المهاجرين واللاجئين معالجةً ملائمةً في سياق التحقيق في الحالة في ليبيا، خصوصًا في هذه القضية الأولى بالغة الأهمية.
يجب أن تُوجِّه المشاركةُ الفاعلة للضحايا مسارَ الإجراءات
لا يعدّ توسيع نطاق التهم سوى جزءاً من ضمان تحقيق العدالة. فلا بُدّ من تمكين الضحايا من المشاركة الفاعلة في الإجراءات. ومع استعداد المحكمة الجنائية الدولية للنظر في قضيتها الأولى الناشئة عن الحالة في ليبيا، بعد 14 عامًا من بدء التحقيق، ستكون مشاركة الضحايا محوريةً لضمان أن تكون الإجراءات عادلة وأن تعكس جسامة الجرائم.
يواجه الناجون مخاطر وعقبات كبيرة في الوصول إلى العدالة، سواء داخل ليبيا أو خارجها. لذا، ينبغي للمحكمة أن تتبنّى نهجاً استباقياً يأخذ في الاعتبار الحماية ويراعي المنظور الجنساني في التواصل والمشاركة. كما يجب أن يكون بإمكان جميع الضحايا التقدم بطلب المشاركة بصرف النظر عن الجنسية أو الموقع أو اللغة، وأن يحصلوا على تمثيل قانوني مناسب وفعّال في جميع مراحل الإجراءات.
تحقيق المساءلة يعتمد على تعاون السلطات الليبية والدول الأطراف في المحكمة الجنائية الدولية
لما يزيد على عقدٍ من الزمن، واجه المدنيون في مختلف أنحاء ليبيا، بمن فيهم المدافعون عن حقوق الإنسان والصحفيون والمعارضون السياسيون والمهاجرون واللاجئون تجاوزاتٍ وانتهاكاتٍ منهجيةً وواسعة النطاق من قبل السلطات والميليشيات التابعة لها والمجموعات المسلّحة أيضاً. وما زالت ممارسات الاحتجاز التعسّفي والتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة وحالات الاختفاء القسري والقتل خارج نطاق القضاء والعنف الجنسي والعنف المبني على النوع الاجتماعي والاستعباد والعمل القسري والاضطهاد وغيرها من الجرائم الخطيرة ترتكب دون هوادة في شرق ليبيا كما في غربها. وإن كانت هذه الأنماط لتدلّ على شيء فهي تسلّط الضوء على الحاجة الملحّة للمشاركة المستدامة مع المحكمة الجنائية الدولية.
وكانت السلطات الليبية المتعاقبة على الحكم في شرق البلاد كما في غربها قد فشلت مراراً في التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية بينما سمحت في الوقت نفسه للمشتبه بهم بالمسؤولية الجنائية بمواصلة أنشطتهم في ظلٍ إفلات من العقاب. وتظل المؤسسات القضائية الليبية مجزّاةً ومقيدة بالضغوط السياسية والأمنية، وعرضةً للترهيب والأعمال الانتقامية، لا سيما من قبل الميليشيات والمجموعات المسلحة. ونتيجة لذلك، تبقى المحاكم الوطنية عاجزةً عن تحقيق العدالة عن الجرائم الخطيرة، ما يجعل الإجراءات أمام المحكمة الجنائية الدولية ضرورية لضمان المساءلة.
يجب على السلطات الليبية وجميع الدول الأطراف في المحكمة الجنائية الدولية الوفاء بالتزاماتها القانونية بالتعاون من دون استثناء. إذ تُلزم ليبيا بالتعاون بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1970، وكذلك بموجب الإعلان عملاً بالمادة 12 (3) والصادر عن حكومة الوحدة الوطنية في شهر أيار/مايو 2025، بشأن القبول باختصاص المحكمة الجنائية الدولية حتى نهاية العام 2027. كما يتعيّن على الدول الأطراف تنفيذ أوامر القبض ودعم عمل المحكمة. ويُظهر تسليم ألمانيا للهشري كيف ينبغي أن يتم التعاون مع المحكمة، وإن كان موقفها العلني القائل بعدم نيتها تنفيذ بعض أوامر القبض الأخرى يعارض هذا المثال. في المقابل، فإنّ امتناع إيطاليا عن تسليم أسامة المصري نجيم في شهر كانون الثاني/يناير 2025، بعد اعتقاله بموجب أمر قبض صادر عن المحكمة، والذي أكّدت المحكمة رسميًا اليوم أنّ عدم تنفيذه يشكّل إخلالًا بالتزامات إيطاليا بموجب نظام روما الأساسي، قد أدّى إلى تقويض المساءلة وتعزيز الإفلات من العقاب. ومع مواجهة المحكمة لضغوط خارجية غير مسبوقة، بما في ذلك العقوبات والتهديدات نتيجة تنفيذ ولايتها، يصبح الدعم القوي والمبني على المبادئ من قبل جميع الدول أكثر أهمية من أي وقت مضى.
دعوة للتقدّم بمسار العدالة في سياق الحالة في ليبيا
يُعدّ تسليم الهشري خطوةً مهمةً على درب تحقيق العدالة وكشف الحقيقة وجبر الضرر. ويجب أن تستند المراحل القادمة إلى فهم شامل للجرائم المرتكبة والضحايا المتضررين. ونحن نطالب المحكمة الجنائية الدولية بضمان أن تعكس التهم النطاق الكامل للجرائم المزعومة وجميع فئات الضحايا المتضرّرين، وأن يتمكّن الضحايا من المشاركة الفاعلة والآمنة في جميع مراحل الإجراءات. كما ندعو ليبيا وجميع الدول الأطراف إلى التأكد من الالتزام الكامل بكافة واجبات التعاون بموجب القانون الدولي. ونحن نقف متضامنين مع جميع الناجين، ونبقى ملتزمين بدعم جهود المساءلة في مختلف أنحاء ليبيا.
المنظمات الموقعة:
· حملة Free #ElHiblu3
· المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان (ECCHR)
· المبادرة العالمية ضد الإفلات من العقاب (GIAI)
· اللجنة الدولية للقانونيين (ICJ)
· الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان (FIDH)
· محامون من أجل العدالة في ليبيا (LFJL)
· منظمة رصد الجرائم في ليبيا (LCW)
· ميديتيرانيّا لإنقاذ البشر
· مشروع السفينة MV لويس ميشيل
· البرلمانيون من أجل العمل العالمي (PGA)
· اللاجئون في ليبيا (RIL)
· Resqship e.V.
· Sea Punks e.V.
· Sea-Watch e.V.
· TRIAL International
· ساعة الإنذار WatchTheMed