المحكمة الجنائية الدولية تمدّد جدولها الزمني بشأن ليبيا في خطوةٍ تفتح آفاقاً جديدةً لتحقيق العدالة

16/5/2025

في خضمّ أعمال العنف المسلّح، ووسط مزاعم بارتكاب جرائم حرب وتصاعد حدّة التوتّر والاضطرابات في طرابلس هذا الأسبوع، قدّم المدّعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، إحاطةً مهمّة أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشأن الملفّ الليبي.

وفي هذه الإحاطة التي جاءت في توقيت حاسم، أعلن خان عن تطوّرين رئيسيين من شأنهما تمديد الجدول الزمني لتحقيقات المحكمة، الأمر الذي من شأنه أن يُعيد رسم مسار العدالة والجهود المبذولة لتحقيق المساءلة في البلاد

وقد أكد المدّعي العام في مستهلّ إحاطته أنّ مكتبه سيستكمل جميع أنشطة التحقيق في ملف ليبيا بحلول الربع الأول من العام 2026. وعلى الرغم من أن الموعد الجديد يشكّل تمديدًا طفيفًا للجدول الزمني الأصلي، إلا أن هذا التعديل ينسجم مع دعوات منظمة محامون من أجل العدالة في ليبيا وغيرها من منظمات المجتمع المدني، التي طالبت مرارًا بإعادة النظر في الاستراتيجية التي تعتمدها المحكمة الجنائية الدولية بشأن استكمال التحقيقات في ليبيا. وتستند هذه الدعوات إلى المخاوف المستمرّة من غياب التعاون الحقيقي من قبل السلطات الليبية، وانعدام الآفاق الواقعية لإنجاز التحقيقات بنجاح قبل ديسمبر 2025.

أما التحديث الرئيسي الثاني، فتمثّل في إعلان المدّعي العام أنّ قلم المحكمة الجنائية الدولية تلقّى في 12 مايو 2025 إعلانًا رسميًا من ليبيا – رغم كونها دولة غير طرف في نظام روما الأساسي – تُقرّ فيه باختصاص المحكمة النظر في الجرائم المزعومة التي ارتُكبت على أراضيها خلال الفترة الممتدة من العام 2011 وحتى نهاية العام 2027. وفي الممارسة العملية، يعني ذلك أن المحكمة باتت قادرةً على متابعة التحقيق في الجرائم السابقة والحالية المرتكبة في ليبيا.

وإن كان صحيحًا أن المحكمة لا تزال تدرس هذا الإعلان، إلا أنه قد يشكّل خطوةً محوريةً نحو التقدّم في مسار تحقيق المساءلة والعدالة في ليبيا، من خلال توسيع نطاق التحقيق والملاحقة القضائية من جهة، ومن خلال توضيح ولاية المحكمة الجنائية الدولية واختصاصها، لا سيما فيما يتعلق بالغموض الذي نشأ عن إحالة مجلس الأمن للحالة في ليبيا إلى المحكمة الجنائية الدولية في العام 2011. ففي ظل التساؤلات والمنازعات المحتملة بشأن ما إذا كانت الإحالة تقتصر على الجرائم المرتبطة بالنزاع في العام 2011، فإن هذا الإعلان الجديد يزيل هذا اللبس بشكل قاطع، ويؤكد أن المحكمة يمكنها بالفعل النظر في جميع الجرائم المنصوص عليها في نظام روما الأساسي والتي ارتُكبت في ليبيا خلال الفترة الممتدة من عام 2011 وحتى عام 2027.

ووصف المدّعي العام هذا التطور بأنه "فصل جديد " في مسار عمل المحكمة بشأن ليبيا. ويكتسب هذا التطوّر أهميةً خاصةًفي ظل الأحداث الأخيرة في طرابلس، حيث تؤكد موجات العنف الجديدة والانتهاكات المتكررة بحق المدنيين استمرار ارتكاب الجرائم الخطيرة في ليبيا، بما في ذلك جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، مع استمرار حالة الإفلات من العقاب.

وفي ظل غياب مؤشرات ملموسة لإمكانية تحقيق العدالة في ليبيا، لا سيما فيما يتعلق بكبار القادة العسكريين والسياسيين، لا بدّ من إعادة التذكير بأهمية الآليات الدولية للمساءلة التي تبقى ضروريةً لمواجهة ثقافة الإفلات من العقاب الراسخة التي تُغذّي حالة انعدام الاستقرار السائدة اليوم في البلاد.

وفي هذا السياق، قال مهدي بن يوسف، مسؤول البرامج في محامون من أجل العدالة في ليبيا : "ما زلنا نشعر بقلق بالغ إزاء غياب التعاون الجاد من جانب السلطات الليبية مع المحكمة الجنائية الدولية. وفي ظلّ غياب خطوات ملموسة نحو تحقيق المساءلة، لا يُشكّل هذا الإعلان الصادر عن حكومة الوحدة الوطنية دليلًا كافيًا على وجود إرادة حقيقية لتحقيق العدالة. ومع ذلك، فإن تجديد ولاية المحكمة يمنحها وقتًا وحيّزًا إضافيًين لتنفيذ مهامها، وقد يمكّنها من إحداث تأثير فعلي في ليبيا. ويقع على عاتق المحكمة اليوم أن تقتنص هذه الفرصة وأن تضمن أن تسهم جهودها بشكل فعّال في كسر دائرة الإفلات من العقاب والعنف والظلم التي لا تزال تعصف بالبلاد."

ومن جهتها، تعتزم منظمة محامون من أجل العدالة في ليبيا مواصلة متابعة التطورات عن كثب على الأرض، سواء فيما يتعلق بتحقيقات المحكمة الجنائية الدولية أو بموجة العنف الأخيرة التي اجتاحت البلاد. وفي هذه المرحلة الحرجة، ندعو المدعي العام إلى إيلاء اهتمام خاص لتصاعد حملات القمع التي تستهدف المجتمع المدني في ليبيا، واتخاذ خطوات عملية لتعزيز ودعم عمله بشكل أفضل، إذ لا يمكن للمحكمة المضي قدمًا في تحقيقاتها، سواء في الوقت الحاضر أو في المستقبل، دون حماية وتمكين الجهات الفاعلة في هذا المجال

Thank you! You have been subscribed.
Oops! Something went wrong while submitting the form.

سجل للحصول على المستجدات

تحديث منتظم من محامون من أجل العدالة الى بريدك