المثول الأول لمشتبه به ليبي أمام المحكمة الجنائية الدولية – خطوة نحو تحقيق المساءلة عن جرائم الحرب المرتكبة في ليبيا

5/12/2025

في 3 كانون الأول/ديسمبر 2025، مثُل  أمام المحكمة الجنائية الدولية (أو "المحكمة") خالد محمد علي الهيشري، أحد كبار المسؤولين الليبين في جهاز الردع لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة المعروف أيضاً باسم "قوة الردع". وكان الهيشري قد اعتُقل بتاريخ 16 تموز/يوليو 2025 في ألمانيا عملاً بأمر قبض صادر عن المحكمة وسُلّم إلى عهدة المحكمة في لاهاي، هولندا يوم 1 كانون الأول/ديسمبر 2025 ليكون أول شخص يلاحق قضائياً أمام المحكمة الجنائية الدولية على خلفية جرائم دولية خطيرة مرتكبة في ليبيا.

ويذكر أنّ السيّد الهيشري مشتبه به في أنه ارتكب شخصياً جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب أو أمر بارتكابها أو أشرف عليها في سجن معيتيقة في الفترة ما بين سنة 2015 وأوائل سنة 2020. وتشمل هذه الجرائم القتل والتعذيب والمعاملة القاسية والاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي والاضطهاد والاعتداء على الكرامة الإنسانية.  

وتأتي ملاحقة السيّد الهيشري قضائياً أمام المحكمة بعد مرور أكثر من 14 عاماً على قيام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بإحالة الحالة في ليبيا إلى المحكمة الجنائية الدولية في شهر شباط/فبراير 2011. وتمثّل قضيته فرصةً هامةً للضحايا لنيل قدر من العدالة، ولها القدرة على الحدّ من دوّامة الإفلات من العقاب في ليبيا.

وفي هذا السياق، كان لمنظمة محامون من أجل العدالة في ليبيا حديث مع الضحايا في ليبيا، حيث قال أحدهم:

"تابعتُ خبر تسلّم المحكمة الجنائية الدولية لخالد الهيشري في لاهاي، وفورًا انتابني أنا وعائلتي شعور بالفرح والارتياح.إنّه ليوم من العمر أن نرى أحد أكبر المجرمين في هذه الميليشيا ماكثاً خلف القضبان. يمثّل هذا الاعتقال رسالة واضحة لبقية الجناة بأنّ أفعالكم وجرائمكم لن تمرّ دون عقاب. لقد آن الأوان لنا ولعائلاتنا لأن نشعر ببعض الفرح بعد سنوات الاعتقال والتعذيب والمعاناة التي عشتها داخل ذلك السجن المشؤوم."

وكان مهدي بن يوسف، مسؤول برنامج المساءلة والعدالة في محامون من أجل العدالة في ليبيا حاضر أثناء مثول الهيشري أمام المحكمة.

وقال مهدي بن يوسف: "نعلم أنّ هذه القضية قد تبدو قطرة في محيط الإفلات من العقاب الذي لا يزال مهيمناً في ليبيا، لكنها تمثّل تطوّرًا مهمًا في مسار البلاد نحو تحقيق العدالة والمساءلة. فعلى مرّ أكثر من عقد من الزمن، دعمنا عمل المحكمة في ليبيا. وفي سنواتٍ كثيرة بدا فيها وكأن الأمور لا تحرّك ساكناً، ولا يُحرَز أي تقدّم، وفيما بدأ كثيرون يفقدون الأمل في المحكمة الجنائية الدولية، واصلنا العمل مع شركائنا في مختلف أنحاء البلاد لتوثيق الجرائم المرتكبة، ودعونا المحكمة لاعتماد مزيد من الشفافية في عملها بحيث تكون أقرب إلى الضحايا، وواصلنا مناشدة الدول الأطراف والمحكمة نفسها ألا تنسى "الحالة في ليبيا". ولا شكّ أنّ مثول السيد الهيشري أمام المحكمة ومحاكمته المرتقبة يؤكدان على أهمية هذا العمل."

طيلة مدة انخراط المحكمة  في العمل على الحالة في ليبيا، كانت منظمات المجتمع المدني مصد الدعم الثابت الوحيد. إذ تأتي التزاماتها في كثير من الأحيان على حساب مخاطر جسيمة على مستوى الأفراد والمنظمة، في ظل تقلّص الفضاء المدني في البلاد، واستمرار ارتكاب الانتهاكات المنهجية والجرائم لإسكات المدافعين عن حقوق الإنسان والناشطين. ورغم هذه التحديات، ظلّ عمل هذه المنظمات الحيوي في دعم المحكمة ثابتًا ومتماسكًا، وما زال مستمرًا حتى اليوم.

وقال أحد شركاء محامون من أجل العدالة في ليبيا داخل البلاد: " إنّ قضية خالد الهيشري أمام المحكمة الجنائية الدولية تعيد بعض الأمل بأن يُلاحق مرتكبو جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في نهاية المطاف. وهذا من شأنه أن يُسهم بدرجة كبيرة في الحدّ من إفلات المجرمين من العقاب، خاصة في ظل فشل القضاء الوطني في ملاحقة مثل هؤلاء المشتبه بهم." [تجدر الإشارة إلى أن المنظمة لا تستطيع الكشف عن أسماء معظم شركائها في ليبيا نظرًا للمخاطر التي قد تهدد أمنهم وسلامتهم.]

خلال هذا الأسبوع، تجتمع الدول الأطراف في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي لمناقشة ميزانية المحكمة لعام 2026 والاتفاق عليها. ورغم أن هذا التطور يُعدّ نقطة تحول إيجابية، فإن ما لا يقل عن تسعة أوامر قبض صادرة عن المحكمة فيما يخص الحالة في ليبيا ما زالت عالقةً اليوم. ولتحقيق المزيد من الملاحقات القضائية أمام المحكمة، يبقى التعاون الفعّال من جانب الدول مع المحكمة، والتمكين الحقيقي للمحكمة عبر الدعم السياسي والمالي طويل الأمد من جميع الدول الأطراف بمثابة عناصر أساسية لا غنى عنها.

وقال بن يوسف: "يجب على الدول الأطراف أن تواصل دعمها، ليس للمحكمة فحسب، بل أيضًا لمنظمات المجتمع المدني التي تُعدّ عنصرًا أساسيًا في قدرة المحكمة على أداء مهمتها. فنجاح المحكمة عمومًا، ونجاح هذه القضية على وجه الخصوص، يعتمد على قدرتنا على القيام بعملنا على أكمل وجه."  

من المقرر مبدئيًا أن تُعقد الجلسة القادمة في قضية السيّد الهيشري في 19 أيار/مايو 2026، وذلك للنظر في تأكيد التهم الموجّهة إليه. وستُحدّد الدائرة التمهيدية ما إذا كانت الأدلة المقدّمة كافيةً لوجود أسباب تدعو للاعتقاد بمسؤوليته عن الجرائم المزعومة.

ستواصل منظمة محامون من أجل العدالة في ليبيا دعم الضحايا في هذه القضية وغيرها من القضايا أمام المحكمة الجنائية الدولية، بما يتيح مشاركتهم الآمنة والفاعلة، وبما يضمن أن تلقى الإجراءات في لاهاي صدىً لها داخل ليبيا.

تعاني محامون من أجل العدالة في ليبيا من ضغوط مالية كبيرة نتيجة تخفيضات في التمويل، ونرجو منكم دعمنا للاستمرار في عملنا المتعلّق بالمحكمة الجنائية الدولية عبر هذا الرابط.

 

Thank you! You have been subscribed.
Oops! Something went wrong while submitting the form.

سجل للحصول على المستجدات

تحديث منتظم من محامون من أجل العدالة الى بريدك