قضية مهاجر ضحية تعذيب في أحد مراكز الاحتجاز في ليبيا محطّ نظر أمام اللجنة المعنية بحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة

18/6/2021

تقاعست ليبيا عن حماية مواطن إريتري من التعرّض للتعذيب وانتهاكات جسيمة أخرى لحقوقه أثناء احتجازه على أراضيها، وهي مطالبَة بتوفير وسائل الجبر له عمّا لحق به من معاناة. هذا ما صرّحت به منظمتا محامون من أجل العدالة في ليبيا وريدرس في تقريرٍ مشترك إلى اللجنة المعنية بحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، قبل يومين على حلول يوم اللاجئ العالمي في العشرين من يونيو.

وفي التفاصيل، فقد وقع السيّد تاريكو أسيفا ضحيةً للإتجار والاختفاء القسري في ليبيا في شهر مايو 2014 أثناء محاولته السفر إلى المملكة المتحدة بمساعدة المهرّبين، واحُتجز لأكثر من سنة خضع خلالها للتعذيب والابتزاز والعمل القسري في انتهاكاتٍ ترقى إلى شكلٍ حديث من أشكال الاسترقاق.

وليست تجربة السيّد أسيفا المروّعة خارجةً عن المألوف، فمنذ سنواتٍ وحتى الآن، لا يزال المهاجرون وطالبو اللجوء الذين يحاولون السفر عبر ليبيا يعيشون المعاناة نفسها.

وكان السيّد أسيفا ووالده قد أُكرها على الفرار من إريتريا في منتصف التسعينات هرباً  من الاضطهاد الديني فقصدوا أثيوبيا للالتجاء فيها، ولم يكن السيّد أسيفا قد تجاوز الثالثة من عمره بعد. وبعد أن أُجبرا على العودة القسرية إلى إريتريا، غادرا مجدّداً هذه المرة إلى السودان حيث اُعتقل الوالد عام 2010 على خلفية إقامته في البلاد بصورة غير شرعية وتمّ تسليمه للسلطات في إريتريا. ولم يسمع عنه ابنه منذ ذلك الحين. وخشيةً من أن يلقى المصير نفسه كوالده، قرّر السيّد أسيفا الابن في العام 2014 أن يخوض رحلة محفوفةً بالمخاطر إلى المملكة المتحدة عن طريق ليبيا وإيطاليا، بمساعدةٍ من المهرّبين.

وبينما كان مسافراً في وسط الصحراء في طريقه إلى ليبيا على متن شاحنة مكتظة بالركاب ولا تتوفّر فيها كميات كافية من المواد الغذائية والمياه، تعرّض السيّد أسيفا وركّاب آخرون للسرقة تحت تهديد السلاح. وبعد وصولهم إلى الأراضي الليبية، تم إلقاء القبض عليهم على يد مسلّحين آخرين زجّوا بهم في مجمّعٍ أشبه بالسجن.

واحُتجز السيّد أسيفا في زنزانة برفقة خمسين آخرين يتشاركون مرحاضين أو ثلاثة. وكان الحرّاس يوزّعون عليهم وجبةً صغيرة من المعكرونة الجافة وكوباً أو اثنين من الماء طوال اليوم، ولا يسمحون لهم بالاغتسال أكثر من مرةٍ كلّ أسبوع أو أسبوعين.

إنّ المعاملة التي خضع لها السيّد أسيفا في ليبيا ترقى إلى إتجارٍ بالبشر وإلى شكلٍ عصريّ من أشكال الاسترقاق. وقد طالبه خاطفوه بالمال لقاء الإفراج عنه، ولمّا لم يكن قادراً على دفع أيّ مبلغ، كان يُعاقب باللكمات والضرب بواسطة خرطوم بلاستيكي ويُحرم من أيّ علاج طبي لجروحه. كما تمّ نقله خمس أو ست مرات متتالية أثناء احتجازه من المجمّع الذي اُحتجز فيه للقيام بأشغالٍ شاقّة من دون أيّ مقابل فأُكره على حفر الخنادق أو الأنفاق أو حمل أوزان ثقيلة.

في نهاية المطاف، تمكّن السيّد أسيفا من تدبّر مبلغ الفدية وتمّ فعلاً إطلاق سراحه بعد قرابة 14 شهراً من الاحتجاز، وتحديداً في صيف العام 2015. وحاول بعد ذلك عبور البحر المتوسط على متن قارب مكتظّ بالمسافرين قبل أن يتمّ إنقاذه من قبل السلطات الإيطالية، ليصل إلى المملكة المتحدة بعد شهرٍ ويطلب اللجوء فيها. وقد تسبّبت له الصدمة التي تعرّض لها جرّاء تجربته بضرر بدني ونفسي دائم.

وفي هذا السياق، قال كريس إسديل، المستشار القانوني في منظمة ريدرس: "إنّ التواطؤ والفساد من جانب الجهات الرسمية في ليبيا قد ساهم في انتشار عمليات التهريب والإتجار، ذلك أنّ السلطات الليبية ورغم إحاطتها علماً بالطريقة التي تتمّ فيها معاملة المهاجرين، لم تتخذ أيّ تدابير لمنع هذه الممارسات. لهذه الأسباب، يرقى احتجاز السيّد أسيفا إلى اختفاء قسري، ومن الضروري له ولسائر المهاجرين أن تتحقق المساءلة عن هذه الانتهاكات في ليبيا."

وطالبت منظمتا ريدرس ومحامون من أجل العدالة في ليبيا في تقريرهما اللجنة المعنية بحقوق الإنسان بتوجيه أمر لليبيا بتوفير سُبل الجبر إلى السيّد أسيفا، بما في ذلك التعويض، وإعادة التأهيل، والتحقيق في الأحداث والاعتذار العلني. وقد أوصتا أيضاً أن تقرّ ليبيا تشريعاً يمنع الانتهاكات ضدّ المهاجرين وأن تنظّم تدريباتٍ للمسؤولين العموميين لتوعيتهم حيال حقوق المهاجرين، وذلك لضمان عدم تكرار هذه الأفعال مستقبلاً.

من جهته، قال يورغن شور، رئيس قسم القانون في منظمة محامون من أجل العدالة في ليبيا: "تعرّض السيّد أسيفا لانتهاكاتٍ مروّعة أثناء وجوده في ليبيا في وقتٍ كان يسعى فيه لالتماس الأمان والحرية بعيداً عن الاضطهاد. وليست هذه الحوادث بغريبةٍ فهي تتوالى بشكلٍ روتيني منذ سنوات. وتُجسّد حالة السيّد أسيفا معاناة الكثير من المهاجرين في ليبيا حيث يشكّل ابتزاز المهاجرين واللاجئين دافعاً رئيسياً للإتجار بهم. ونطالب اللجنة المعنية بحقوق الإنسان اليوم الإقرار بمسؤولية ليبيا عمّا جرى وندعو الدولة الليبية لأن تضع حداً لهذه الممارسات فوراً وأن تقوم بإعمال حقوق السيّد أسيفا وغيره من الضحايا بالحقيقة والعدالة والجبر."

ملاحظات إلى المحرّرين

  • اللجنة المعنية بحقوق الإنسان هي هيئة الخبراء المستقلّين التي ترصد تنفيذ العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وهو اتفاقية لحقوق الإنسان سبق أن انضمّت إليها ليبيا كدولةٍ طرف.
  • وبموجب البروتوكول الاختياري الأول الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وليبيا دولة طرف فيه أيضاً، تنظر اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في الرسائل المقدمة من الأفراد الذين يدعون أنهم ضحايا أي انتهاك لأي حق من الحقوق المقررة في العهد.
  • تتقدّم محامون من أجل العدالة في ليبيا وريدرس بما مفاده أنّ ليبيا مسؤولة عن انتهاكاتٍ عدة لحقوق الإنسان ضدّ السيّد أسيفا نتيجة غياب إطار عمل للقانون والسياسات يُعنى بشؤون الهجرة فيها على نحوٍ يتسق مع معايير حقوق الإنسان، وذلك بسبب قبول الدولة بأن تتمّ إدارة مراكز احتجاز المهاجرين من قبل الميليشيات وغيرها من الجهات غير المنتمية للدولة؛ ولانخراطها المباشر وسكوتها عن شبكات التهريب والإتجار؛ وبسبب إفلات الجناة من العقاب وغياب أي سبل للانتصاف في هذه القضية. نتيجةً لذلك، تكون ليبيا قد انتهكت المواد التالية من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية: المادة 2 (الحقوق المتساوية، والإطار التشريعي وسبيل التظلّم الفعال)، والمادة 7 (التعذيب)، والمادة 8 (الاسترقاق والعمل القسري)، والمادة 9 (الحرية، الأمان والاحتجاز التعسّفي)، والمادة 10 (المعاملة الإنسانية التي تحترم الكرامة الأصيلة في الشخص الإنساني أثناء الاحتجاز)، والمادة 16 (الاعتراف بالشخصية القانونية) والمادة 26 (التمييز).
  • ومن المقرر أن تنظر اللجنة المعنية بحقوق الإنسان الآن في التقرير المشترك المقدّم من منظمتي محامون من أجل العدالة في ليبيا وريدرس وإرساله إلى ليبيا للتعليق. وتعتمد اللجنة في نهاية المطاف الاستنتاجات العامة في عملية قد تستغرق عدة سنوات.

 

جهات الاتصال

للمزيد من المعلومات أو لترتيب مقابلة مع أحد المتحدّثين الرسميين، يرجى الاتصال:

  • تيم مولينو، مدير الاتصالات الاستراتيجية في منظمة محامون من أجل العدالة في ليبيا: tim@libyanjustice.org /+44 (0)7501 395067
  • إيفا سانشيز، رئيسة قسم الاتصالات في منظمة ريدرس: eva@redress.org / +44 (0)20 7793 1777  (مكتب) و+44 (0)785 711 0076 (جوال).


Thank you! You have been subscribed.
Oops! Something went wrong while submitting the form.

سجل للحصول على المستجدات

تحديث منتظم من محامون من أجل العدالة الى بريدك