هذا الأسبوع، تنضمّ محامون من أجل العدالة في ليبيا إلى منظمة ”محامون من أجل العدالة في ليبيا“ على متن سفينة ”هيومانيتي“ SOS Humanity على متن بعثة بحث وإنقاذ لتقديم الدعم للمهاجرين واللاجئين الذين يواجهون محنةً في رحلتهم المحفوفة بالمخاطر عبر البحر الأبيض المتوسط. خلال هذه الفترة، ستشارك منظمة محامون من أجل العدالة في ليبيا مع منظمة ”هيومانيتي“ ما هي الحياة على متن سفينة ”هيومانيتي 1“ والواقع في البحر بالنسبة لأولئك الذين غادروا ليبيا. تحدثنا إلى سيرينا زانيراتو، مسؤولة البرامج في منظمة محامون من أجل العدالة في ليبيا، حول هذه المهمة.
محامون من أجل العدالة في ليبيا هي منظمة غير حكومية ليبية ودولية تعمل في سبيل رصد وتوثيق الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والجرائم الدولية الخطيرة المرتكبة في ليبيا منذ العام 2011، وذلك بهدف تحقيق العدالة والمساءلة وتعزيز احترام حقوق الإنسان في البلاد. في السنوات القليلة الماضية، تبنّت المنظمة نهجًا مبتكرًا في عملها، حيث تركّز حاليًا على تحقيق العدالة التحويلية في ليبيا. ويعني ذلك أنّنا نسعى، ومن خلال المشاريع التي نقوم بها، إلى إحداث تغيير جذري ومستدام على المستوى البنيوي. كما أنّنا نسعى عن طريق عملنا، وبالتعاون مع منظماتنا الشريكة في ليبيا وخارجها، إلى مواجهة ومعالجة الظروف الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والبيئية والسياسية المتجذّرة التي تؤدي إلى الظلم والفساد والعنف في ليبيا.
ونحن نعمل منذ مدة على دعم العدالة والمساءلة عن الانتهاكات المنهجية لحقوق الإنسان والجرائم الدولية الخطيرة التي ترتكبها الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية ضدّ المهاجرين واللاجئين في ليبيا. فعلى سبيل المثال، في نوفمبر 2021، قدّمنا بالتعاون مع كلّ من المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان والفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان بلاغًا إلى المحكمة الجنائية الدولية بشأن الجرائم ضدّ الإنسانية التي تُرتكب بحق المهاجرين واللاجئين. كما نشرنا تقريرًا يلخّص هذه النتائج. ومنذ فترة غير بعيدة، أصدرنا، بالتعاون مع Forensis، فيلمًا وثائقيًا بعنوان "الهروب من صناعة الاحتجاز في ليبيا" يعيد باستخدام تقنية النماذج الثلاثية الأبعاد رسم معالم المباني التي تُستخدم كمراكز احتجاز "رسمية" في المنطقة الساحلية في غرب ليبيا، وبعض أماكن الاحتجاز في مدينة بني وليد، المعروفة بكونها مركزًا رئيسيًا للاتجار بالبشر. يقدّم هذا العمل تصوّر اً للمباني التي تُرتكب فيها الانتهاكات والجرائم بحق المهاجرين واللاجئين، وكشفها من جديد أمام العالم. وتستند الصور والنماذج الثلاثية الأبعاد إلى مقابلات أُجريت مع خبراء وعلى شهادات لناجين تعرّض الكثير منهم على مدى سنوات للدوامة نفسها من الانتهاكات والتجاوزات التي تحدث داخل هذه المراكز.
من خلال هذا العمل، وبالتعاون مع منظمة SOS Humanity نأمل أن نتمكن من "إضفاء الطابع الإنساني" ومنح صوت لأولئك الذين تُركوا خلف الركب، والذين يتحوّلون غالبًا إلى مجرد أرقام في الخطابات التي تتناول موضوع الهجرة وتتجاهل تمامًا أننا نتحدث عن بشر. نركّز في عملنا على إدارة الهجرة ومنعها، بدلًا من تشكيلها بطريقة مسؤولة تتمحور حول حقوق الإنسان.
في منظمة محامون من أجل العدالة في ليبيا، نعمل مع شركائنا على رفع قضايا أمام المحاكم الوطنية والإقليمية والدولية. لهذه القضايا أهداف متعددة — فبصفتنا منظمة تُعنى بحقوق الإنسان، نسعى إلى دعم ضحايا الانتهاكات لتمكينهم من الوصول إلى العدالة والحصول على نوع من الإنصاف أو الجبر. وما يميّز التقاضي الاستراتيجي هو أنّه لا يقتصر على إنصاف الضحية كفرد، بل يتجاوز ذلك إلى معالجة الأسباب الجذرية للانتهاكات من خلال اختيار قضية بعينها، بهدف إحداث أثر أوسع. فعلى سبيل المثال، عند تحديد قضية معيّنة، نأمل أن نحقّق العدالة للضحية، والإقرار بهذه العدالة بالنسبة إلى أفراد أو مجموعات أخرى تعرّضت للانتهاكات نفسها أو لانتهاكات مشابهة، رغم أنّ هؤلاء ليسوا جزءًا مباشرًا من القضية. وبالتالي، فإنّ الهدف الأساسي هنا هو إرساء سابقة قانونية في المحكمة عن قصد. وفي الوقت نفسه، نسعى أيضاً لتحقيق تغيير على مستوى القانون أو السياسات، لمنع تكرار الانتهاكات مستقبلاً. وفي سياق الانتهاكات والجرائم المرتكبة ضدّ المهاجرين واللاجئين في ليبيا، قد نسعى إلى رفع قضايا تهدف إلى الحصول على أحكام قضائية تؤكّد أن جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب تُرتكب بحق هؤلاء الأشخاص، وبالتالي، المطالبة بإنهاء التعاون والدعم المقدم للسلطات الليبية. وفي هذا الإطار، قد تهدف قضايا التقاضي الاستراتيجي أيضًا إلى تحميل جهات أوروبية المسؤولية القانونية عن التواطؤ في هذه الانتهاكات والجرائم المرتكبة ضدّ المهاجرين واللاجئين، الأمر الذي يحقق تغييراً في السياسات.
أنا من إيطاليا ولما كنتُ قد عملتُ لفترة طويلة على هذا الملف، فإنني أشعر بأن لديّ مسؤولية أخلاقية تجاه هذه القضية القريبة جدًا إلى قلبي ليس فقط من خلال الأدوات القانونية والمناصرة، بل أيضًا من خلال التواجد الميداني المباشر ومعايشة ما يحدث في البحر، بعد مغادرة المهاجرين واللاجئين ليبيا. بعد الاستماع إلى تجارب العديد من الناجين، وخاصة بعد عملي مع بعضهم على الفيلم الوثائقي الذي أنجزناه بالتعاون مع Forensis، شعرت أن الوقت قد حان لأن أكون على متن السفينة بنفسي، لمحاولة فهم الديناميكيات الحقيقية لما يحدث في البحر، ومنح "صوت" و"رائحة" و"ملمس" لكل ما سمعته مرارًا وتكرارًا في حياتي الشخصية والمهنية. شعرت أن الوقت قد حان لكي أحاول التوفيق بين قيمي ومبادئي أي احترام الحقوق الأساسية، والكرامة، والسلامة للجميع والسياسات التي تنتهجها الحكومة الإيطالية والاتحاد الأوروبي وجهات أخرى، والتي تهدف إلى تجنّب وصول مزيد من البشر إلى شواطئنا.
لهذا السبب، أقدّر كثيرًا الشراكة بين محامون من أجل العدالة في ليبيا ومنظمة SOS Humanity
لأنها تُبنى على عملنا في توثيق الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والجرائم الدولية الخطيرة المرتكبة ضد المهاجرين واللاجئين في ليبيا، وهو من أولوياتنا في محامون من أجل العدالة في ليبيا. ولا شكّ أنّ وجودي على متن السفينة ممثلةً للمنظمة يُعد فرصة مهمة لتوسيع فهمنا ومعرفتنا بظروف المهاجرين واللاجئين أثناء محاولتهم مغادرة ليبيا وبعد مغادرتهم لها. كما أنّ مضافرة الجهود مع SOS Humanity تعني أننا قادرون على توسيع وتعزيز خبراتنا المتبادلة. وكلّنا أمل في أن نواصل هذا التعاون في المستقبل، لنقدّم دعمًا أكثر شمولًا للمهاجرين واللاجئين.
بدأتُ التعاون مع منظمة SOS Humanity في العام 2022، كباحثة قانونية متطوّعة ورئيسة فريق حقوق المهاجرين في منظمة StraLi للتقاضي الاستراتيجي، وهي منظمة غير حكومية مقرها في إيطاليا تعمل على حماية وتعزيز حقوق الإنسان من خلال التقاضي الاستراتيجي. وبالشراكة مع UpRights، عملت SOS Humanity وStraLi على مشروع يهدف إلى استخدام التدابير المؤقتة أمام اللجنة المعنية بحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، لمنع خفر السواحل الليبي من اعتراض الأفراد المعرضين للخطر في البحر وإعادتهم إلى ليبيا.
وللمرة الأولى، أصدرت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في 4 مارس 2025 قرارًا غير مسبوق ألزمت فيه مالطا باتخاذ جميع التدابير اللازمة لتنسيق عملية بحث وإنقاذ لـ 32 شخصًا تقطّعت بهم الأوصال في البحر، وضمان عدم إنزالهم في مكان قد يواجهون فيه خطر التعرّض للتعذيب أو غيره من أشكال المعاملة السيئة أو أي تهديد آخر لحياتهم. ولا شكّ أنّ هذه التدابير المؤقتة يمكن أن تستخدم كسابقة قانونية يمكن البناء عليها، أداة قانونية نأمل من خلالها في تغيير الوضع القائم والسياسات الحالية للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
أشعر بأن لديّ واجبًا ومسؤولية يدفعانني لما أقوم به، وللانضمام إلى الطاقم وذلك لأنني ببساطة أؤمن بصدق بأننا جميعًا بشر، متساوون، ويجب أن نحظى جميعًا بنفس القدر من الأمان، والكرامة، والفرص في الحياة. لقد قررت أن أؤدي دوري في هذا العالم من خلال الوسائل القانونية والمناصرة. وأنا محظوظة لأن شغفي هو أيضًا مهنتي، ولأنني أتعلم كل يوم وأستمد الإلهام من زملاء وأصدقاء رائعين يمتلكون من الصمود ما يكفي للاستمرار في النضال من أجل عالمٍ أفضل. إنّ التواجد على متن السفينة هو فرصة جديدة لي لأؤكد لنفسي الهدف الذي أصبو إليه، ولألتقي بزملاء ملتزمين بالقضية، ولأرى عملي من منظور مختلف وأقرب إلى الواقع.